Monday, April 5, 2010

Arabic Language and its universality


اللغة العربية وعالميتها
(مقالة نشرت في تذكار"الرسالة" لأكادمي أم. أس. أم. بـكولام، كيرالا  في مارس 2010)


اللغة ظاهرة بشرية طبيعية اجتماعية، وهي أهم المقومات الأساسية لقومية ‌أمة من الأمم. إنها الوعاء الذي يستوعب فكر الأمة وثقافتها وحضارتها، وصلة الوصل بين ماضي الأمة وحاضرها. تعد اللغة العربية واحدة من أهم اللغات العالمية في العالم المعاصر، نظرا لما تتمتع به من ماض عريق وجذور قوية ثابتة، وحاضر لا يقل أهمية عن ذلك الماضي بحال من الأحوال. اللغة العربية لغة حضارية انتقلت من المحلية إلى العالمية عندما توفرت لها أسباب الانتشار، ولم تجد أي حرج في تعاملها مع الترجمة والتعريب.  أصبحت اللغة العربية الأهم بين لغات شعوب الأرض قاطبة، وغدت لغة العلم والثقافة والحضارة، فأثرت بذلك في بنيان لغات شعوب عدة ولاسيما لغات شعوب الأمم الكبرى، كالفارسية، والتركية، والأوردية، وغيرها[1]، وبلغ هذا التأثير مداه الواسع باستخدام تلك الأمم فيما بعد الحرف العربي في كتابة لغاتهم والتعبير عما يدور في خواطرهم من شؤون العلم والثقافة.
أهمية اللغة العربية
اللغة العربية إحدى لغات العالم باعتبارها اللغة السادسة من حيث كمية المتكلمين بها. للغة العربية أهمية كبيرة في مجالات كثيرة، منها في مجال تعلم العلوم الدينية وفهمها فهما صحيحا، ومن الناحية الاقتصادية أنها تيسر المعاملات التجارية بين الدول الإسلامية وخصوصا مع الدول العربية، وأما من الناحية السياسية أنها تنظم المجتمع الإسلامي وتوحد كلمتهم، ويعتبر المجال العلمي الإسلامي مرجعا مهما يرجع إليه الناس في كل العالم. واللغة العربية لها مميزات منها أنها لغة عالمية يتحدث بها العالم كله، وهي لغة الكتابة في العلوم الدينية والعلمية، وهي لغة التواصل والترابط والوحدة بين العرب والمسلمين، إضافة إلى ذلك أنها أساس العلاقات الحضارية والثقافية والاجتماعية بين المسلمين. إنها لغة القرآن التي حفظت للعرب والمسلمين کرامتهم بالحفاظ علي هويتهم المتجسدة في قلبها وقالبها. ولم تکن العربية طيلة تاريخ الإسلام مجلبا لاهتمام العلماء العرب وحدهم، وإنما جذبت قلوب الملايين من العلماء المسلين غير العرب، الذين ذابوا فيها ودققوا في تفاصيلها، وأحيانا سبقوا العرب[2] في الکشف عن رموزها وأسرارها، لأن العرب کانوا يعرفونها بسجيتهم، أما المسلمون غير العرب فقد حصلوها وتعلموها بشق الأنفس وعرق الجبين. لذلك ساهموا في تأسيس علومها من صرفها ونحوها وبلاغتها. فقد اشتهر العلماء المسلمون الأعاجم والذين يعتبرون عربا من خلال كتاباتهم العلمية، منهم سيبويه والجرجاني والقزويني. فاللغة العربية هي لغة العرب وغير العرب، وهي لغة وحدة الإسلام والمسلمين .
عالمية اللغة العربية
على الرغم من مراحل الضعف التي أصابت بنيان العرب في فترات مختلفة، فإنه لا أحد في العالم العربي وفي الأوساط العلمية والأكاديمية العالمية ينكر على اللغة العربية عالميتها وتأثيرها في لغات عالمية كثيرة، وأنها صاحبة أهم تراث إنساني تتبارى الأمم المتحضرة في اقتنائه، ودراسته، والمحافظة عليه، والاستفادة منه بقدر الإمكان. إن اللغة العربية عالمية من خلال استعمالها في جميع المجالات من الحياة المادية إلى الميتافيزيقية ما وراء الطبيعة والعلمية والروحية انطلاقا من استعمالها في جميع بلدان العالم العربي الإسلامي في القارات الخمس وبتأثيرها الكبير باليونانية الكلاسيكية وفروع اللغات اللاتينية والجرمانية والسلافية[3].
كان تأثير اللغة العربية في بعض الشعوب الأخرى أهم كثيرا كشمال إفريقية وأواسطها. غدت العربية إحدى أهم اللغات العالمية على مسرح العالم القديم، وتبع مراحل القوة والسلطان في الدولة العربية اهتمام أولي الأمر بترجمة مؤلَفات علماء الأمم المتقدمة في ذلك الوقت[4]. شكل سقوط القسطنطينية بأيدي العثمانيين صفحة مهمة من صفحات انتشار العربية، وأسهم ذلك في وصول العربية إلى أماكن جديدة، ثم أقيمت المدارس فيها، وانتشرت العربية انتشارا واسعا في معظم تلك الأماكن. وبلغ الأمر إلى اعتماد الحرف العربي في أبجديات لغات بعض الشعوب البلقانية، تقليدا لما فعله العثمانيون من قبل حين اعتمدوا الحرف العربي في أبجديتهم الشهيرة[5]. يقول المستشرق مرجوليوث[6]: اللغة العربية لا تزال حية حياة حقيقية وهى واحدة من ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة استيلاء لم يحصل عليها غيرها، الإنجليزية والإسبانية هما اختاها.[7] لقد لعبت العربية دورا أساسيا كوسيلة لنشر المعارف، وآلية التفكير خلال المرحلة التاريخية التي بدأت حين احتكر العرب على حساب اليونان والرومان عن طريق الهند، ثم انتهت حين خسروها. أصبحت العربية لغة عالمية وازداد اهتمام الأوساط العلمية العالمية بها، ونشطت مراكز العلم وقلاعه في عموم أوروبا لدراسة العربية.
اللغة العربية في الغرب
كانت الجامعات الأوربية عاملا مهما في ذيوع العربية التي أصبحت في العصور الوسطى لغة الفلسفة والطب ومختلف العلوم والفنون، بل أصبحت لغة   دوليةللحضارة. في عام 1207م،  لوحظ وجود معهد في جنوب أوروبا لتعليم العربية ثم نظم المجمع المسيحي العالمي بعد ذلك تعليمها في أوربا وذلك بإحداث كراسي في كبريات الجامعات الغربية[8]. في القرن السابع عشر اهتمت أوربا الشمالية والشرقية اهتماما خاصا بتدريس العربية ونشرها، وفي 1636م، قررت حكومة السويد تعليم العربية في بلادها، ومنذ ذلك العهد انصرفت السويد إلى طبع ونشر المصنفات الإسلامية. بدأت روسيا تعنى بالدراسات الشرقية والعربية خاصة في عهد البطرس الأكبر. وفي عام 1769م، قررت الملكة  «أترينا» إجبارية . اللغة العربية وقد اتجه اقتباس أوربا من العربية نحو الميدان العلمي، فدخلت إلى اللغات الأوربية كثير من المصطلحات العربية مثل «الجبر» و«اللوغريتم». فقد استمدت إسبانيا  وبواسطتها أمريكا اللاتينية من  اللغة العربية الشيء الكثير من مقوماتها اللغوية ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. ظهرت مراكز استشراقية في بلدان أوروبية مختلفة، أصبح لها أهداف أخرى غير دراسة العربية وشؤون حضارة الإسلام وما يتصل بذلك[9]. ودخلت العربية أمريكا قبل الاستقلال بمائة عام حيث دخلت جامعة هارفارد في العام 1640.
العربية المعاصرة
ظهر في العصر الحديث نمط جديد للغة العربية، قديم في مجمل قواعده وأساليبه التركيبية، وجديد في مضامينه، وطرائقه في بناء النص، جامع في معجمه بين الكلمات الموروثة والعبارات المولدة في عصور مختلفة، والأساليب والعبارات المترجمة من اللغات الأوروبية، وهو الذي يعرف بالعربية المعاصرة. اتسمت لغة للتأليف العلمي والصحفي باستخدام أساليب جديدة غير معهودة في كتب التراث. وقد تسرّبت إلى هذه اللغة عبارات أجنبية المضمون نتيجة للتوسع في الترجمة، واعتماد الصحفيين، والإذاعيين العرب على وكالات الأنباء الأجنبية. لما توسعت حركة ترجمة العلوم والآداب الأجنبية إلى العربية ظهرت حركة تصنيف المعاجم الثنائية مستفيدة من الجهود التي قام بها المجامع اللغوية. ظهرت آثار الترجمات في أساليب العربية، وبعض الأنماط التركيبية.
اللغة العربية في «إنترنت»
إن للغة العربية حضور في «إنترنت» أي الشبكة العالمية للمعلومات وفي الوسائل السمعية والبصرية تصديا لما تتعرض له اللغة العربية من تهميش في ظل العولمة وثورة المعلومات. إن للعربية دور مهم في الصناعات المعلوماتية من خلال حضورها في إنترنت، وتحديد مطالب اللغة العربية فيما يخص نظم التشغيل والبرمجيات للانترنت وتوزيع مهام تنفيذها على مراكز البحوث العربية وشركات إنشاء مواقع على الانترنت تختص بتشجيع استخدام اللغة العربية في كل أنواع الوسائط والبرمجيات، وإعداد نظم لتعلم اللغة العربية بواسطة البرمجيات الحديثة، وإعداد معاجم إلكترونية لغوية وموسوعية للمختصين وغير المختصين. أتاحت ديموقراطية إنترنت وسهولة النشر الإلكتروني الكتابةَ المباشرة والنشر السهل للجميع، وليس للنخبة فقط كما كان الحال قبل عصر إنترنت.[10] لا شكّ أن ثمة مواقع عربية مثل «المسبار»، و«الورّاق» و«المصطفى»، و«مكتبة الإسكندرية»، و«المعرفة»، و«صخر» تبذل جهودا لتعزيز حضور العربية وتفاعلها مع اللغات، ورقمنة المعارف والكتب بها.
الخاتمة
المنظمات العالمية مثل اليونسكو UNESCO تشعر اليوم أكثر من قبل بأهمية دور اللغات في تعزيز الحوار بين الثقافات، ومساهمتها في خلق بيئة تنطلق منها قيم التسامح والسلام كما أنها دأبت على مضاعفة جهودها من أجل الحفاظ على اللغات المهددة بالاندثار والمعرضة للخطر. إن اللغة العربية تعيش حاليا مرحلة توسع وتتمتع بحركة ديناميكية في مختلف بلاد المهجر[11]. تشهد العربية إقبالا هائلا على تعلمها من أجل التعرف على مصادر الثقافة العربية وعلى شؤون الوطن العربي. هناك محاولات كثيرة تهدف إلى تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وحمايتها من الآفات والمخاطر التي تتهددها وبخاصة في الغرب وذلك من خلال أساليب متطورة ووسائل حديثة، وعمل تشاركي مدروس ومنسق.


الهوامش
[1]  آلان س. كي.، (2003)، إسهامات العربية في اللغة الإنجليزية، جامعة الجزائر، ص: 25.
[4]  خان، حبيب الله، (1997)، الترجمة العربية منها وإليها في الهند بعد الاستقلال حتى عام 1990، دلهي: دار سلمان، ص: 38.
[5]  " الثقافة الألبانية في الأبجدية العربيةمجلة عالم المعرفة، الكويت، ١٩٨٣، ص: ٤٨
[6]   كان مرجوليوث Margoliouth  (1858-1940) أستاذا مشهورا بجامعة أوكسفورد 
[8]  Versteegh, Kees, (2001), The Arabic Language, Edinburgh University Press, P 228.
[9]  أحمد سمايلوفتش، (1980)، "  فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر "، القاهرة: دار المعارف، ص: 125.